إنتفاضة شبل

ليست كلماتي الأولى ولن تكون الأخيرة دفاعاً عن قضيتنا وهويتنا الأبدية

ملامح

علاء فرحات

6/7/20251 دقيقة قراءة

إذا لم تجد سببًا لبكائك، فَلتبكِ على حال أمتنا. وإن كنتَ مكتئبًا لا تعرف السبب، فكل أملي أن يكون ذلك من حزنك على حال الأمة، وإن ضاقت بكَ نفسُك، وسُدّت في وجهك الأبوابُ يأسًا من حال الأمة، فاستقم كما أُمرتَ، ولا تنسَ أن الله ليس بغافلٍ عما يعمل الظالمون.

الموتُ بين ضلوعهم يطاردهم، خلف الأبواب دنّس العدوُّ ترابهم، ومزّق أمنهم، وصار الأملُ سرابًا، أطفالٌ وُلدوا ليموتوا، وأطفالٌ ماتوا أحياء. انتزع العدوُّ براءتهم، وشردهم تحت الطرقات.

عانوا ألمًا، وجعاً، جوعًا، فقدًا، شوقًا وآهات، تصرخ بوجه عدوٍ غاشمٍ آثمٍ: هيهات أن يحنو! هيهات!

في غزة: دموعٌ وأنينٌ، في غزة: ألمٌ وآهاتٌ. جدرانٌ تنعي جدرانًا، تسقط فوق الإنسان، تدفن معها حكاياتٍ. حكاياتٌ تنعي حكاياتٍ، تنسف معها أمانيهم بوطنٍ خال النزوات.

أحلامٌ تنعي أحلامًا، تسرق معها الأيام. قد عمّ الأرضَ ظلامٌ، انتهكت فيه حرمات، والعابرُ من غزة يُقسِم أنه لا يوجد في العالم إنسان!

أشلاءٌ تنعي أشلاءً، لا أمل فينا ولا رجاء. إنسانٌ يدفن إنسانًا، لا يوجد في القبر مكان، ادفنِي إن شئتِ، أو اتركني، فلستُ بنظر العالم إنسانًا!

وإني أينما رأيتُ لونًا من ألوان الرفاهية في وطني، مدينتي، شارعي أو حتى طبقاً من الفواكه في بيتي، أشعرُ بحزنٍ شديدٍ يكتنفني حينما أتذكرُ لونًا من ألوان المعاناة لأهلنا في غزة.

تم تشخيص حالتي على أنها اكتئابٌ حادٌ حزنًا على شعبٍ يُباد، وتلك حالةٌ لا علاجَ لها سوى بعودة الأرض لأصحابها. دون ذلك سيبقى عناءٌ، ألمٌ وشقاءٌ. دعواتُكم بتحرير الأقصى فتلك دعوتُكم لي بالشفاء.

يزداد الأمر ألمًا كلما دخلتُ إلى أي مطارٍ، فنحن نذهب إلى المطارات إما مستقبلين وإما مودعين، أما في فلسطين فلا يوجد مطارٌ لأنهم ليسوا بحاجةٍ إليه! فلا أحد يخرج منها ويعود... حتى الذين فكروا في الرحيل قد رحلوا لمجرد تفكيرهم بأجسادهم، تاركين قلوبهم في أرضهم. فلا أحد وُلد فيها وخرج منها، حتى لو انتقل إلى مكانٍ آخر.

فلا مأوى يَقِلُّ ولا غصنًا يظلُّ سوى القدس. حتى ابني عندما استقبلته في مطار الرياض بكيتُ بشدةٍ ولم تدرِ زوجتي أن ذلك ليس من سعادتي بعودتهم رغم اشتياقي لهم، ولكن لأنه هناك في فلسطين وطنٌ ليس فيه مكانٌ يستقبلون أحباءهم ولا يودعونهم.

كرهتُ اللقاء لدرجةٍ أخشى ألا أسافر مرة أخرى فأودع وأستقبل. أخبرتكم سابقًا أنه اكتئابٌ حادٌ، ورغم أن كل اكتئابٍ سقوطٌ إلا هذا النوع فإنه صعودٌ ما لم يدركه يأسٌ. يقال إن الوطن الذي يشغل تفكيرك هو وطنك الحقيقي وإن كنتَ لم تره، فنحن أبناء الوطن الذي وُلدنا لنعيش لأجله.