ذا شبل في الرياض








لم يكن سهلاً أن أغادر وطني الحبيب مصر
ولم يكن سهلاً أن اترك القاهرة التي عشت فيها أعز فترة من عمري حيث التعليم والتدريب والعمل لأكثر من سبعة أعوام قضيتها في القاهرة مفتونا بهذا الزخم الذي يجمع بين الجمال والتراث وأيضا الفوضى والعشوائية ولكني وجدت شيئاً وهو أنني إنسان من مجتمع بسيط لديه ظروفه ومعاناته ومع ذلك لديه حلم وأمل أن يجد مستقبلاً أفضل ولا أنسى أول مرة صعدت للطائرة متوجهاً للسعودية وقبل الاقلاع كنت أنظر من النافذة ودموعي تتساقط وفي خاطري عبارة واحدة ( ما كان يجب أن أترك مصر بحثاً عن عمل لولا أنها إرادتك يا الله فاكتب لي خيرا وعوضني عن فراق بلدي )، وفي الرياض وتحديدا في حي حطين بدأت رحلتي مع مجموعة عاجي لطب الأسنان مكان قضيت فيه عامين قدمت فيه أعز ما أملك من وقتي وجهودي وأفكاري وبكل حماس وشغف لم أدخر جهدا لتميز هذه المجموعة وازدهارها داخلياً وخارجياً كنت أعمل بشرف وأمانة لنهضة هذا الكيان حتى انتهت رحلتي معهم لأخوض بعدها مغامرة مليئة بالإبداع والتحديات ولكنها أثقلتني المزيد من الخبرة والعمق في السوق السعودي وأكتسبت دروساً هامة حول كيف تصنع الشركات تقدمها وكيف يحقق النخبة من الناس ثرواتهم.
أدركت باكراً أن رؤية المملكة لم تكن إلا إشارة لكل من وطأت أقدامه على أرض هذا الوطن أن يقدم رؤيته ويعمل من أجل رسالته
رؤية تعكس حجم الجهود التي تبذلها المملكة لتحقيق أحلامنا في العيش بكرامة والعمل بشرف والحصول على جودة حياة لائقة، رؤية وضعت لنا حجر الأساس لبناء طموحنا والسعي لأجله، رؤية هي الوقود الذي يشعل الشغف ويرسم المسار لكل من ضل به الطريق، هنا على أرض المملكة يسطرون نهجاً عصرياً وإستثنائياً وتحولاً جوهرياً لتلبية تطلعاتنا، رؤية تجسد فينا الحلم والرؤية، رؤية من منظورنا الضيق لفضاء المملكة الرحب المليئ بالخير والسلام والإنسانية.
لا تبحث عن سبب يمنعك أن تعيش هنا فهناك ألف سبب يمنعك أن تعيش في وطن آخر
وطنٌ فيه مكة المكرمة والمدينة المنورة، وطنٌ فيه أطهر بقاع الأرض، مهد الرسالة ومهبط الوحي. وطنٌ دعا له الخليل إبراهيم عليه السلام بالأمن والرزق، فقال: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا﴾ [إبراهيم: 35]، ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة: 126]، وهو الوطن ذاته الذي اختاره الله ليكون موضع ولادة خاتم الأنبياء، ومنطلق النور إلى البشرية جمعاء. فيه مكة التي قال الله عنها: ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: 97]، وفيه الكعبة المشرفة، أول بيت وُضع للناس، قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم.
وطنٌ فيه المدينة التي قال عنها النبي ﷺ: «اللهم حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكة أو أشد...» [البخاري]، وجعلها دار هجرته، وفيها المسجد النبوي، وفيها الروضة من رياض الجنة، وفيها مرقده الشريف عليه الصلاة والسلام. وطنٌ فضّله الله، وشرفه ببيته الحرام ومسجد نبيه، وطنٌ تتضاعف فيه الحسنات، وتُستجاب فيه الدعوات، ويأرز إليه الإيمان كما تأرز الحية إلى جحرها. إنه المملكة العربية السعودية، أرض الحرمين، وقبلة المسلمين، وموئل التوحيد، وراعية المقدسات. فضلها ليس سياسياً ولا جغرافياً فقط، بل هو فضل سماوي محفوظ في كتاب الله وسنة نبيه، ومكانة لا تضاهيها مكانة.
البكاء على فراق مصر أكذوبة، فهي بالقلب محفورة، والحياة بالمملكة ليست غربة، بل امتداد لروح العروبة، وأسألوا عن أحلامي تجدوها معلقة على باب الكعبة
سابقاً كان السفر بين المملكة ومصر عن طريق الجمال، واليوم تعانقت السماء بخطوط الطيران، المسافة ثابتة فقط تغيرت الوسيلة، أما بقلبي لا توجد مسافات بين مملكتي ومصر الجميلة فهناك روحي وهنا أفكاري مشغولة كيف أرد الجميل لوطن يحمل أحلامي الكبيرة، يحقق ما ظننته يوماً مستحيلاً، بين الرياض والقاهرة، لا يقيم القلب حدودًا، بل يبني بينهما جسورًا من الوفاء والانتماء، وتلك نصيحتي لكل من عانقت أحلامه السماء سافر إلى المملكة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.